اتصل بنا
 

الاستطلاعات المدفوعة مسبقاً

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2015-05-10 الساعة 12:48

نيسان ـ


أحيانا يكون الهدف من إجراء استطلاع للرأي العام خلق رأي عام جديد مُستعَجل، فيكوّن السؤال نصف الجواب، وتُكمّل نصفه الثاني طريقة قراءة النتائج.
فلا تعود استطلاعات الرأي أداة علمية للقياس والتنبؤ غايتها تصحيح المسارات، أو إثبات سلوكيات إيجابية موجودة أصلاً في مجتمعاتنا، بل تصير مجرد أداة من أدوات ترسيخ ما هو سائد من سيطرة لطبقات وفئات معينة، ما زالت تتشبث بالسلطة، ليس عن طريق الهيمنة فقط، بل بتزوير الحقائق، بغية تسخيرها كعامل يؤيد بقاءها ممسكة بزمام الأمور.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الكثير من المراكز البحثية في العالم صارت مجندة لصالح جهات استخبارية عابرة للحدود، وتتبنى أجنداتها، تعمل ليل نهار لتأمين المعلومات وتحليلها، حيث لم يعد العمل الاستخباري التقليدي عن طريق الجواسيس والمخبرين مجدياً، في عصر باتت تتدفق فيه كميات هائلة من المعلومات عبر الاحصائيات، والأقمار الصناعية، والإنترنت ووسائل الـ" نيوميديا".
ما يهمنا على المستوى الوطني، هو التأكيد على التزام موضوع الدراسات والاستطلاعات بقضايانا الوطنية، وبمهنية عالية، غير منحازة للفرضيات المسبقة، ساعية لاستشراف آفاق التحول نحو تفاعل إيجابي أكبر بين مكونات المجتمع، لتحقيق أعلى قدر من الانسجام والتوافق الاجتماعي والسياسي، الذي غايته الاستقرار كشرط لازم للتنمية والتطور.
وعليه، لا يجوز تذخير مراكز البحث العلمي سلفاً بموضوع الدراسة والنتيجة، بل يجب أن تتمتع بالبيئة البحثية الموضوعية، التي تؤهلها للقدرة على التأشير الى مواطن الضعف والقوة، فتخلُص لنتائج صحيحة يمكن البناء عليها؛ ما يسهم برفع سوية الآداء عموماً.
لتبديد حالة الشك لدى المواطن الذي يعتقد أن هدف هذه العمليات هو تسويغ سياسات معينة، أو التجسس عليه؛ ما يجعله يتعاطى مع الموضوع بأقل درجة من الجدية والاهتمام وأعلى درجة من الحذر، فلا يُظهر قناعاته الحقيقية، أو لدى مراكز القرار التي تتخوف من أن يكون هدف هذه الاستطلاعات هو الطعن بشرعيتها أو التحريض ضدها. الحل بالحصول على استقلالية كاملة لمؤسسات استطلاعية كفؤة.
كما أن التوظيف المتعجل من قبل وسائل الإعلام للنتائج، يترك آثاره السلبية على العملية برمتها، وليس أدل على ذلك من ما ذهبت إليه بعض صحفنا اليومية، في قراءة نتائج استطلاع مركز الدراسات الأخير، حيث أبرزت إحدى الصحف اليومية على صفحتها الرئيسية خبراً يتحدث عن "ارتفاع طرأ على شعبية الحكومة"؛ لتسويق وترويج الأفكار والاتجاهات الرسمية، بينما ذهبت أرقام الدراسة الى العكس تماماً.
لا شك أن الإفساح لنجاح حقيقي للاستطلاع ودراسات الرأي العام يساهم في بناء السياسات التي توازن بين التحديات الداخلية والخارجية، ويدعم بناء دولة القانون والمؤسسات، التي يتحقق بها تدوال السلطة والتوزيع العادل للثروات، ومصالح الدولة العليا عموماً.

نيسان ـ نشر في 2015-05-10 الساعة 12:48

الكلمات الأكثر بحثاً