اتصل بنا
 

وكأنني أشتمَّ رائحةَ عِطرِها معَ كُلِ عاصفةٍ قادمةْ

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2020-01-10 الساعة 01:05

نيسان ـ آليوم غادرتُ فِراشي ، ارتديتُ ملابسي، خرجتُ مِن بابِ المنزل.. قد تبدو أفعالاً بسيطةً لكن! عندما تكون محبطاً أو مكتئباً أو تكاد تهزم في صراعكَ مع عقلكَ تصبحُ تلكَ الأشياءُ الصغيرةُ إنجازاتٍ ضخمة.
هي الدُنيا هكذا، تصحو أحياناً كأنّكَ وُلدتَ من جديدْ، أو تصحو أحياناً أخرى كأنّكَ تَجاوزتَ حدودَ العمرْ !
بَعْدَ أنْ هاجَرَ الوردُ ووجَنَتيكِ مِنْ هنا،
لَمْ يَبقَ أحَدْ.
بَعدَ أنْ أقْفَلْتِ مَناجِمَ عَيّْنَيّْكِ،
كُلُّ عُمّالِ المَناجمِ رحَلوا،
ولمْ يَبقَ إلاّ أنا،
ولا أحدْ.
بَعدَ أنْ رَحلْتِ،
رَحلتْ العصافيرُ ورحلَ القِطارُ،
وتَركوني أنا وراءَهُمْ وأطرافَ البَلدْ.
سَيّدتي...
لمْ يَبقَ إلاّ أنا،
ولا أحدْ.
صَعدتُ إلى السيارة فَتَذَكرتُ ما دارَ بيني وبَينها ذاتَ يَومْ - انا أَذكُرُ كُلَ دَقيقَةٍ كانَتْ تخوضُ مَعنا تفاصْيلَنا-.
قالتْ: وجهيَ حِنطيٌّ.
قُلتُ: ولا أجملْ.
قالتْ: شَعريَ مُجعّدٌ.
قلتُ: ولا أجملْ.
قالتْ: أتحبُّني ؟.
قُلتُ: ولا أَكثَرْ..

وَيحْضُرُنِي هُنا ما أُردِدُهُ على مسامِعِ صورَتِها التي أَحتَفِظُ بِها بينَ طَياتِ حياتِي.. فَأَقول:
لوْ سافرتِ ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ،
سأبقى أحبّكِ..
ولوْ خَبّأتِ كلّ حروفَ اللغةِ،
سأسكنُ هامِشَكِ السرمَدّيِ،
و سأبقى أحبّكِ..
ولوْ أعدتِ تَشكيلَ كُلّ الجهاتِ،
سأبقى أحبّكِ..
ولوْ استبدلتِ اسمكِ الرُباعيَّ،
سأبقى أحبّكِ..
ولوْ بقيتُ وحيداً في هذا العالمِ،
سأبقى أحبّكِ....

تَقوْلُ حَليمَة فِي هَذا النَّص:
"تذكرتك، عندما كنت أعقد الخلخال حول كاحلي الأيمن صباحاً، لمعت في رأسي فكرة أن ألفك حول خاصرتي وأحكم العقدة، وأنت في استسلام تام للحالة المجنونة، أرخي ظهري المتعب عليك وأنا أقود السيارة في الطريق إلى العمل، تدخل معي الصف فينشغل الطلاب بشكلي الجديد، أهرب من فضولهم اللاسع فيركضون خلفي، نصنع جلبة في المدرسة، فنهرب إلى بيتك، أعيث فيه فساداً، أفتح كل النوافذ المغلقة نكاية بك، فيلمحنا أحدهم لنهرب مرة أخرى إلى غرفتي، أنت تلهث وأنا يتصاعد الجنون في رأسي، أدور حول نفسي، فيُغشى عليك، أجلس على طرف السرير مرهقة، لأدرك كم أنت ثقيل، أحني نصفي الأعلى لأخلع الخلخال، فتنخلع أنت من تلقاء نفسك، وتذوب!"
أيّتها المُتخمةُ بأحلامكِ الوَرديّةِ روانُ أيضاً كانَتْ تُعيدُ تَعريفَ الخُطى على الرَّمل، حينَ تُطْلق عَنانَ شَعرِها للريحِ، أستطيعُ أنْ أشتمَّ رائحةَ عِطرِها معَ كُلِ عاصفةٍ قادمةْ، نَسيَتْ وَجههَا في عَينيَّ، ومَضتْ نَحوَ المُستَحيلْ، فصارتْ هويّةً لحُضوريَ المُؤقّتَ في هذا العالمْ.
لا أعرفُ لِمَ لا تُطالبُ مُنظّماتُ حُقوقِ الإنسانِ
" بإطلاقِ سَراحي مِنّي "
فأنا المُعتقلُ خلفَ حُدودِ جِلدي وَ المَسافَة !
أُعرّفُ المَسافةَ على أنّها حُلمٌ أحاديُّ الأبعادِ،
وأعرّفُ الحُلمَ على أنّهُ فوضى العصافيرِ في الصباحْ.
تَغُشّني عقاربُ الساعةِ لأنّي أشعرُ أنّي أكبُرُ عشرينَ سَنةً في اليومِ الوَاحِدْ.
هُمْ لا يَعرفونَ كمْ أنتِ جميلةٌ، ولوْ عَرفوا لأعادوا كِتابةَ التاريخِ مَرّةً أخرى، نٌؤلّفُ خُرافةً ما، ثمّ تُصبحُ لاحقاً من المُقدّساتْ !
لَمْ تَكنْ مارلينْ مونرو، كانتْ أجملْ - نعمْ-
هيَ حفيدةُ العَوْسجِ الهابطِ مِنْ سورِ الجيرانِ
هي تَقاطُعُي أنا مَعَ حدائقِ المُستَحيلْ.
لا شيءَ يُشبِهُها إلاّ هيَ، تَنامُ على وَجهِ الماءِ، تُرتّبُ المَوجَ على طَريقَتها، تَحنُّ على المارّةِ بِنصفِ اِبْتسامةٍ
تَقرأُ ما تَيسّرَ مِن شَعوذاتِ الشُعَراءْ،
وتَمضي الى عالَمها المُستَحيلْ.

نيسان ـ نشر في 2020-01-10 الساعة 01:05


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً