اتصل بنا
 

جردة تأملية لعام (2019 )

نيسان ـ نشر في 2019-12-31

x
نيسان ـ صحيفة نيسان- خاص
تكمن قوة الحكومات اليوم في ضعفها، والوصف هنا مقصود ومبني بسبق من الإصرار والتعمّد، لهدف تحقيق غاية محددة بعينها، فعندما تصل المجتمعات إلى حواف الإفلاس، تبدأ لعبة التاريخ، حيث يُنتج عملية كُمُون طويلة الأمد، لهدف انتظار مواءَمة الظروف الموضوعية للظروف الخاصة الذاتية، تحت وقع تفاعل دورات الانتاج الداخلية والخارجية، التي تمهد لولوج تشكيلة اجتماعية جديدة، ستكون بالضرورة أكثر سعة ورحابة من سابقتها.
التفاؤل هنا حقيقي، لأن العمليات التاريخية تقدمية بجوهرها، وتصاعدية برغم مخاتلتها وحلزونيتها، صحيح ان التاريخ لا يعيد نفسه، لكن دوراته تتباطأ في بعض المراحل، بحيث لا نلحظ تصاعديتها، ويبدو لنا مسطحا يدور في نفس المستوى، بحيث يتراءى لنا أن دوراته تعود إلى نفس النقطة، لكن هذا المسار طبيعي ومتكرر، ولا يخرج عن إطار مناورات ومكر التاريخ الممعن في سيروراته وصيروراته التي لا تتوقف ولا تنتهي.
كان لا بد من التقديم أعلاه؛ والغاية بثَّ فكرة مؤداها أن التاريخ أكبر من السياسة، حيث أن معظم هذه الأحداث الصاخبة، التي نعيشها، لا تعدو كونها محاولات يومية مُشتَّتة، صحيح أنها تحاول خلق اختراق ما، بحيث تأخذ مسار التاريخ إلى اتجاهات معينة، لكن جلها يفشل، لذلك لا تتجاوز كونها تفاصيل، المهم أنها منضبطة ومشدودة إلى أطر ونظريات التاريخ، وتخضع في النهاية إلى عملية انتخاب صارمة، بحيث لا تدخل صحائفه إلّا المهمة منها، التي تشرح وتفسر الإزاحات اليومية بين الكتل والطبقات الاجتماعية، في مسيرتها الصراعية الأزلية .
الحقيقة أن الأمور كانت ستسير خلال العقود القليلة الماضية بشكل جيد ومتسارع، على صعيد بناء الدولة الأكثر مدنية، لكن كان لا بد من التوقف في محطات كثيرة، اضطرت فيها الطبقات المتسيِّدة لتغيير هيئتها، وإعادة بناء شعاراتها، في محاولة للتكيف بهدف التجدد والاستمرار، لكن الظروف الإقليمية والدُّولية فرضت معطيات جديدة لم تكن في حسبان هذه الطبقات؛ ما اضطرها للتوقف، مرات ومرات ومحاولة التجدد بأشكال جديدة أخرى، للغاية نفسها؛ الاستمرار في التسيد، لكن الثورات التكنولوجية المتتالية فرضت وقائع جديدة.
لا بد من الانتباه هنا، ونحن نعد جرداتنا السنوية، إلى أن التاريخ لا يُدار بالمقامرة، مثل؛ عندما يراهن أصحاب القرار على الهروب للأمام، من خلال ترتيب أو شلفقة السنة المالية المقبلة، اعتمادا على التوسع أكثر في الاقتراض، حيث لم ينتبهوا، أو بالأحرى ليس من خيارات أخرى لديهم، إلى أن المشكلة فقط رُحِلّت إلى إشعار آخر، ربما لن يتجاوز السنوات القليلة المقبلة، وإن لحظة الحقيقة لآتية لا محالة، لحظة لن تنفع معها عملية استيراد الشعارات، أو التسويفات، كما أن حلًا لن ينزل من السماء الملبدة بغمام الحروب والإنزياحات الكبرى.

نيسان ـ نشر في 2019-12-31

الكلمات الأكثر بحثاً