اتصل بنا
 

المعارضة والسلطة وفنون الفوضى غير الخلّاقة

نيسان ـ نشر في 2019-08-04 الساعة 11:16

x
نيسان ـ نيسان- خاص

ونحن على أعتاب انتهاء المئوية الأولى لتأسيس الدولة الأردنية الحديثة، لا تكاد تمر ليلة على الأردنيين من غير أن تهب عليهم الزوابع الإليكترونية من كل حدب وصوب، لتعصف بطمأنينتهم، وتخلع ثقتهم بالدولة ومؤسساتها من جذورها، وتمتد حالة اهتزاز الثقة لتطال صورة أولئك الناشطين ممن يتصدون للفساد والترهل وسوء الإدارة من المعارضين.
ما يعزز هذه الأوضاع حالة التنمر والاستقواء التي تُمارس على الدولة من قِبَل مسؤولين سابقين، فقدوا مناصبهم لأسباب مختلفة، ومجموعات وأفراد من المعارضين والمتضررين من نتائج السياسات التي انتهجت منذ تأسيس الدولة الأردنية.
تُقابل هذه الحالة، إدارات حكومية مرعوبة لا تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات أو الدفاع عن السياسات، الصحيحة منها قبل الخاطئة، وتُسيّر الأمور بحذر شديد من دون اجتراح أي حلول إبداعية، وإن تحركت خارج هذا السياق قهي فقط تجنح لاتخاذ القرارات الشعبوية التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، بل من الممكن انها تذهب باتجاه تعميق الأزمة أكثر.
وحتى لا نبقى نعوم على جناح الكلام المرسَل لا بد من ضرب أمثلة على هذه الحالة، وهي كثيرة، فلكم أن تتخيلوا تلك الشخصيات الوطنية، وطنية لأنها تنقلت بين صفوف المعارضة وصفوف الموالاة، وشغلت مناصب حساسة في الإدارات الحكومية كما في تشكيلات المعارضة، أقول تخيلوا أنها وقفت ضدَّ قانون تنظيم السلاح، وضدَّ تعديلات قوانين المواصفات والمقاييس، وحوّلت الموضوع، من باب المناكفة لا أكثر، إلى أنه يجري لخدمة تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني، وما هذه التقليعة إلّا حالة من حالات تشبه لخطاب المعارضة بخطابات السلطات العربية التاريخية، ولا بد لنا هنا من أن نتذكر تلك السنوات الطويلة التي عُطلت بها التنمية السياسية بحجة المواجهة مع العدو، بينما العدو لم يؤجل أو يلغي استحقاقا دستوريا واحدا.
الفوضى تتجلى هنا في طريقة التفكير، ففي الوقت الذي يتحالف هؤلاء الأشاوس مع تشكيلات التحالفات المدنية المتذيلة لمدارس النيوليبرالية، يرتدّون في لحظة إلى الخطاب العشائري، وإذا لم يُجدِ معهم نفعا، ولا يجدون آذانا صاغية في تلك المضارب، يعودون إلى استعارة الجملة الثورية، ولا تدري إلى أين ستوصلهم تنقلاتهم الانتهازية بين هذه المستويات المتفاوتة.
وتستمر حالة الاستقواء من قبل هؤلاء المتنقلين بين المستويات الوطنية والسياسية والاجتماعية المختلفة، بينما تغيب الأحزاب المعارضة القوية القادرة على طرح البرامج والحلول التي تقنع الأردنيين بجدوى الالتحاق بها وتأييدها، فيتسيّد المشهد بعض نشطاء السوشيال ميديا المفتقرين تماما للقدرة على التحليل أو التقويم، كل ما يهمهم عدد المتابعين لبثهم المباشر وعدد المعجبين والمشاركين، ونتيجة لهذا الضعف، ولهذه السطحية، استطاع بعض أصحاب الأجندات التخريبية الإندساس وسط هذه الحفلة وبدأوا الغناء بأصواتهم النشاز.
وإذا أردنا أن ندخل في عمق أسباب هذه الفوضى، فسنجد أن مِن أهم أسبابها ضعف الأدوات التشريعية والرقابية، وبالتالي ضعف الإدارات التنفيذية، ولن نعيد اكتشاف البارود إن قلنا غياب الأحزاب وغياب آليات تقسيم العمل السياسي والإداري التي نستطيع اعتبارها من الأسباب الوجيهة أيضا، إن هذا الغياب أو الضعف لهو أقوى تعبير عن انعدام التوزيع العادل للثروة والسلطة والتنمية، وهو من أقوى المؤشرات على فساد السلطة.
تتوفر الرغبة لدى المرجعيات العليا لتصحيح هذا الوضع، وتم الإفصاح عن ذلك في الأوراق المَلِكِيّة النقاشية التي ذهبت إلى أبعد من ذلك؛ الملكية الدستورية، لكن الرغبات وحدها لا تكفي، حقيقة لا يكفي أن نقول أننا نريد أحزابا قوية، فالأحزاب برغم أنها اتحادات تَطوعيّة إلا أنها لا تتشكل بالرغبات والنوايا فقط، سواء كانت رغبات أعضائها أو رغبات المسؤولين، فحتى يكون لديك أحزاب قوية وكبيرة لا بد لها من أن تمثل مصالح واسعة وكبيرة، ولا يمكن لهذا الوضع أن يتأسس من غير وجود قانون انتخاب على أساس القوائم الحزبية.
عندها سيصبح البرلمان قويا، والأحزاب قوية، والحكومة قوية كونها حكومة برلمانية برامجية، وستصبح المعارضة أكثر رشدا وجدية، فالحكم الراشد تقابله معارضة راشدة بالضرورة، والعكس بالعكس صحيح.

نيسان ـ نشر في 2019-08-04 الساعة 11:16

الكلمات الأكثر بحثاً